رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

لا توجد مناسبة صحفية لنشره.. فيديو.. " المرض الوِحِش " ملف مازال الأكثر رعبّا لأهالي الوادي الجديد " تحقيق"

نشر
مستقبل وطن نيوز

" عنده المرض الوحش"، هكذا أعتاد أهل الواحات إطلاق هذا الأسم على مريض السرطان، إذ لا يمكن التنبؤ بتصرفه داخل جسم الإنسان، خصوصاً أنه يصيب موقعاً في الجسد ثم يتحرك إلى أعضاء أخرى من دون تفسير، فـ "السرطان" خبيث كونه يظهر تحت الميكروسكوب بشكل مشوه وبشع " وِحِش ".

ما زال أهل الوادي الجديد، وحتي في ٢٠٢٠، لا يطلقون عليه الاسم السليم وهو السرطان.. ربما بسبب بشاعته.. وربما لقناعتهم بأنه مرض لا شفاء منه، قد يكون حصد هذا المرض الكثير منهم، منذ عشرات فهو وحش فعلاً.. ووحش.. وكل الصفات تتوافر فيه.

أصبح هذا السرطان واحداً من أخطر الأمراض التي تأكل أجساد الناس ولا علاج له، إلا بمشرط الجراح، أي بالإزالة والقطع، فعلي الرغم من التقدم العلمي، فإننا لا نعرف على وجه اليقين أسباب مرض السرطان ورغم أن كل ما نعرفه ـ حتى الآن ـ هو التحليل للتأكد من أن الورم الذى تسلل للجسد ورم حميد أم خبيث، وإن كان الأفضل هو إزالة واستئصال الورم، مع الحرص على استئصاله من جذوره، حتى لا يعود أو ينتشر.

ليس خيارًا وإنما مسئولية.

تناولت وسائل الإعلام كافة " المقروءة والمسموعة والمرئية " مرض السرطان بكافة جوانبه، لكن حين يسمع الواحاتية " أهل الوادي الجديد " عن وفاة هذا العدد من حالات سرطان في الأونة الأخيرة، كان لزامًا علينا أن نبحث وراء الموضوع.

ووفقا للأطباء والمختصين بالمرض فإن نسبة الشفاء من مرض سرطان الثدي تصل الى أكثر من ٩٠ ٪ إذا ما تم اكتشافه في المراحل الأولى، والثانية من المرض، فاكتشافه في المراحل الأولى يمنع انتشار الورم ويقلل فترة العلاج، وكلما تأخر الكشف عن المرض ووصل الى مراحل متأخرة فإن نسبة الشفاء تقل الى ما دون 1% وينتشر الورم إلى الأعضاء الأخرى في الجسم وتطول فترة العلاج.

الطبيب المختص يزور المحافظة مرة في الأسبوع

ويعرف أستاذ مساعد طب الأورام بجامعة أسيوط " معهد جنوب مصر للأورام ونائب مدير مستشفى أسيوط الجامعي، ومشرف علاج وحدة الأورام بمستشفى الخارجة العام، دكتور عادل جبر، السرطان (cancer) بأنه مصطلح طبّي يشمل مجموعة واسعة من الأمراض التي تتميز بنموّ غير طبيعي للخلايا التي تنقسم بدون رقابة ولديها القدرة على اختراق الأنسجة وتدمير أنسجة سليمة في الجسم، وهو قادر على الانتشار في جميع أنحاء الجسم، مضيفًا أن مرض السرطان هو أحد الأسباب الرئيسية للوفاة، لكن احتمالات الشفاء من مرض السرطان آخذة في التحسن باستمرار في معظم الأنواع، بفضل التقدم في أساليب الكشف المبكر عن السرطان وخيارات علاج السرطان.

وقال " جبر "، في حديثه لـ " مستقبل وطن نيوز " رغم محاولات التوعية المختلفة بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي، من قِبل الدولة لبناء الإنسان المصري من الناحية الصحية وإطلاق العديد من المبادرات الرئاسية وفي مقدمتها مبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة المصرية ضمن مبادرة ١٠٠ مليون صحة، في مسعى إلى رفع مستوى الوعي بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي ووسائل الوقاية من هذا المرض، إلا أن الخوف ما زال يسيطر على عقول كثير من النساء، ويتسرب إليهن من قصص قريبات أو صديقات أو زميلات عمل مصابات بالمرض، بعضهن تمكن من مقاومته وعلاجه، وبعضهن ممن أكتشف مرضهن في مراحله الأخيرة، فقضين ضحايا التأخر في الذهاب للكشف.

وشدد نائب مدير مستشفى أسيوط الجامعي، على ضرورة إجراء المتابعة الدورية للجميع نساء ورجال وحتى الأطفال، ونبه على ضرورة إجراء الفحص الذاتي بشكل دوري، فكلما كان التشخيص مبكرًا كانت نسبة الشفاء أعلى، وشدد على ضرورة استمرارية متابعة المتعافين من المرض.

وأكد " جبر "، على أهمية البيئة المحيطة بالمريض في التغلب على المرض، فالاستقرار النفسي وتقبله والوقوف لجانبه تزيد من مقاومة المريض للمرض وبالتالي تزداد نسبة شفائه".

جهود الدولة

ومن جانبه كشفت الدكتور أحمد محروس وكيل وزارة الصحة والسكان بالوادي الجديد، لمستقبل وطن نيوز، أن وزارة الصحة لا تألو جهدًا في تنفيذ خطط قومية لمكافحة السرطان، وأضاف إن أحد أهم مسببات الأورام السرطانية هي الإصابة بـ"فيروس سي"، حيث أنه يؤدي في الحالات المتأخرة من الإصابة لـ"سرطان الكبد"، لافتًا إلى أن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي للكشف والقضاء على فيروس سي "100 مليون صحة"، ستخفض نسب الإصابة بالسرطان في مصر.

وأكد محروس، أن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن سرطان الثدي، تعد تجربة رائدة و مثال يحتذى به للوقاية و ستخفض نسب الإصابة بسرطان الثدي، و التي تعد أعلى نسب إصابة بالسرطان في مصر.

وأضاف وكيل وزارة الصحة، أن صحة الوادي الجديد تسجل ٦٨٤ حالة إصابة بالسرطان تتلقي العلاج داخل وحدات الأورام بمستشفيات المحافظة، ٤٥٠ حالة بمستشفى الخارجة العام، و٢٣٤  حالة بمستشفى الداخلة العام.

وأوضح وكيل وزارة الصحة بالوادي الجديد، أن وزارة الصحة أنشأت وحدتي علاج أورام الأولى بمستشفى الخارجة العام، يتلقى فيها المريض العلاج الكيماوي فقط يوم الخميس من كل أسبوع، عن طريق طبيب متخصص من جامعة أسيوط ووحدة مماثلة بمستشفى الداخلة، مؤكدًا أن نسب الإصابة بمرض السرطان طبيعية، وأضاف أن عدد سكان المحافظة قليل، والأهالي يعرفون بعضهم جيدًا، وهذا سبب شعورهم أن المرض منتشر، وأكد أن نسبة الإصابة بالمرض تعادل نسب المحافظات الأخرى.

وأشار محروس، إلى السعي الدؤوب من قِبل قيادات المحافظة، في تقديم كافة أوجه الدعم لأبناء الوادي الجديد، مشيرًا إلى زيارته السابقة برفقة حنان مجدي نائب محافظ الوادي الجديد، لمستشفى ٥٧٣٥٧ لتوقيع بروتوكول تعاون لصالح أبناء المحافظة، وكذا سعي الشئون الصحية بالمحافظة لتوقيع بروتوكول تعاون مع معهد أورام أسوان لكن حالة كورونا دون إتمام التوقيع، وفي انتظار استقرار الحالة العامة لتوفير أفضل سُبل العلاج لأبناء الوادي الجديد.

وسعت محافظة الوادي الجديد، في تقليص الإصابة بمرض السرطان بالمحافظة من خلال تنفيذ مشروعات خدمية لتطوير وإحلال شبكات مياه الشرب والقضاء على مسببات المرض، حيث أن الكثافة السكانية بالمحافظة لا تزيد عن ٢٥٥ ألف نسمة، ويتم تقديم الرعاية الطبية الكاملة لمرضى السرطان بالتنسيق مع كافة الجهات المختصة، فيما أسفرت تلك المشروعات الخدمية عن الحد من انتشار المرض بصورة كبيرة.

مؤسسات المجتمع المدني

جمعية واحة الخير لعلاج مرضي السرطان، أحد مؤسسات المجتمع المدني الكائنة بواحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد، والتي تحاول بشتى الطرق مساعدة مرضى السرطان.

وأكد رئيس جمعية واحة الخير لعلاج مرضى السرطان بالوادي الجديد ووكيل وزارة الإسكان بمحافظة الإسكندرية، المهندس أحمد حسين يوسف، أنه بمجرد استشعار مشكلة انتشار المرض بشكل ملحوظ تم إشهار جمعية لخدمة المرضى، التي تقدم الدعم حسب كل حالة من ٥٠-١٠٠٪، في ٢٠١١.

ومن جانبه لفت محمد يوسف محسب مدير هيئة أوقاف الوادي الجديد ونائب رئيس مجلس إدارة الجمعية، إلى صعوبة حصر عدد المصابين بالمرض نظرًا لثقافة مجتمع الواحات، واعتبر أن الإصابة بالمرض عيب، مما يضطر الأهالي إلى إخفاء الإصابة بالمرض، وبالتالي لا يوجد لدينا حصر حقيقي بالرقم الصحيح للإصابة بالمرض، فهناك الكثير يتلقى العلاج خارج المحافظة، ولم يفصحوا عن حقيقة مرضهم.

وأضاف محسب، أن الجمعية دشَّنت سيارة جديدة "ميكروباص"، مهداه من مؤسسة العربي للتنمية، ومجهزة بأحدث سبل الراحة، وتنقل جميع مرضى السرطان من أبناء الوادي الجديد إلى مكان تلقيهم العلاج بالمجان، موضحاً أنه سيتم توقيع عدد من البروتوكولات مع معاهد الأورام على مستوى الجمهورية، تحت رعاية محافظ الوادي الجديد، لتقديم أفضل الخدمات لأبناء المحافظة من المرضى.

وفى مبادرة من أهالي المحافظة لمساعدة المرضى، فكر أحد أهالي الخارجة، " رفض ذكر أسمه " ، في خدمة المصابين بالسرطان، والذين يضطرون للسفر إلى أسيوط، وقد يلجأون للإقامة في أحد الفنادق هناك لطول فترة العلاج، فقرر شراء شقة مُجهزة بأسيوط، لتخدم المرضى ليستخدمها المريض وأهله طوال فترة العلاج، كصدقة جارية.

ومثلما فعل " فاعل الخير "، تولى بعض رجال الأعمال بالداخلة، شراء سيارات ميكروباص، وتخصيصها لنقل المرضى إلى أسيوط بالمجان، ويجرى إنشاء جمعية أهلية لعلاج مرضى السرطان بمدينة موط بمركز الداخلة.

ومن جانبه وجه محافظ الوادى الجديد، اللواء محمد الزملوط، ببذل المزيد من الجهود للتخفيف عن المرضى وخاصة مرضى السرطان، والتنسيق مع المراكز ومعاهد الأورام المتخصصة لخدمتهم.

السبب

أرجع البعض سبب انتشار المرض، إلى بركة الصرف الصحي بمدينة الخارجة، حيث انتشرت الحشائش بكثافة حول البرك واستغلها البعض لتربية الاسماك وآخرين لتناول مئات الرؤوس من الأبقار والأغنام لمياهها وحشائشها السامة، لتطفو على السطح كارثة جديدة بإصابة مواطنين بالسرطان والفشل الكلوي ناهيك عن أمراض المعدة والفيروسات المختلفة.

وأشارت بعض التقارير الطبية، إلى أن التدخين هو السبب الرئيسي الأول للسرطان في العالم ويليه في الترتيب "السمنة"، وأن الأبحاث الجديدة تؤكد أن نحو 40% من أنواع السرطانات يمكن أن يتم منعها عن طريق الوقاية بمنع المسببات، والأكلات غير الصحية

والاعتماد على المعتقد الشعبي القائل "معدتنا تهضم الزلط" والذى يشجع الجميع على تناول الأطعمة دون التأكد من نظافتها ما يؤدى لاستهلاك قدرة الجهاز المناعي على مقاومة البكتيريا التي تدخل الجسم وبالتالي الإصابة بالسرطان، والتلوث نتيجة المبيدات الزراعية أو المقاومة للحشرات.

عموما يؤكد الخبراء على اختلافهم والتجارب الواقعية للناجين أن الاكتشاف المبكر نافذة الأمل الكبيرة لعودة المصابات بسرطان الثدي إلى الحياة.

وناشد أهالي الواحات بالوادي الجديد، الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بإنشاء مستشفى للأورام بالوادي الجديد، أسوة بباقي المحافظات، رأفة بحال المرضى في الوادي الجديد.

قصص من الواقع

تمالكت أعصابها بصعوبة بالغة، فلم تمر أيام على وفاة شقيقتها الصغرى دون سابق إنذار، أعتذرت عن دموعها والآمها، فلم أجد ما أقوله في مثل هذا الموقف، وبدأت تحكي قصة أحداثها منذ ما يزيد عن العام.

قالت " ف . م " بدأت أختي تشكو من ظهور بعض البقع في أماكن متفرقة من جسمها، وظنت أنها الأنيميا، وظلت تتجرع المكملات الغذائية، إلى أن تطور الأمر منذ ما يقرب من شهر،  إحساس بأعراض إنفلونزا والجسم تعبان ومهدود، الألم في العظام وخاصه القفص الصدري والترقوه بقع حمراء بجسمها مثل الوحمات، لكن زاد الألم الذي بات ينهش جسدها بلا رحمة.

زرنا طبيب خارج المحافظة، عندما رأى البقع طلب تحليل للدم، وأخبرنا دون علمها أنها ٩٠٪ لوكيميا الدم " سرطان "، خيم الصمت على المكان، وبدموع لا تكاد أن تتوقف وبصوت متنهد لا يكاد يسمع تابعت "  حينما علمت بالنتيجة لم أتمالك أعصابي وخاصة بعد أن أكد الطبيب إن المرض وقد وصل الى مرحلة متقدمة، ووصل الى الكبد والطحال والرئة، وأن المرض يعيش معها منذ أكثر من عام".

كانت صدمة كبيرة فشقيقتي " أ " من النوع " الحبوب " لها أصدقاء في كل مكان، كل أطفال العائلة يحبونها، ولكنه القدر، أمر الطبيب بحجهزها بالعناية المركزة لحين ظهور التحاليل.

مرت ٣ أيام وهي في العناية ولا تعلم بطبيعة مرضها، بدأ الألم يتناقص شيء فشئ، خرجت من العناية، عدنا إلى البلد، ننتظر نتيجة التحاليل.

وجاء يوم ظهور نتيجة التحاليل، سافرنا للطبيب، الذي أمر على الفور بتحويلها لمعهد جنوب مصر للأورام، وكتب روشتة العلاج وحقنة الكيماوي، وذهبنا للمعهد وهي حتي الآن لا تعلم طبيعة مرضها ودخلت معهد الأورام في الثامنة من صباح " اليوم إياه " علي حد قولها.

وفي مغرب نفس اليوم، جاءنا الخبر المشئوم، " أ " تعيش أنت، لله ما أعطي ولله ما أخذ، وهنا إنهارت تماما ولم تستطع أن تكمل حديثها، إنسحبت في هدوء دون أي تعليق.

و ها هي " ح . ض " فتاة في أوائل الثلاثينات من عمرها، تقول أحسست بكتلة صغيرة في ثديي، فأخبرت صديقتي المقربة بما حدث معي، فطمأنتني إلا انها طلبت مني التوجه الى طبيبة نسائية

للتأكد، فلم أكترث حينها للأمر ولم أذهب لكن بعد 3 أشهر أحسست بأن حجم الكتلة، بدأ يكبر فطلبت من صديقتي الذهاب معي للكشف عنها وبعد معاينة الطبيبة لي طلبت مني القيام بالفحص لتظهر بعد أيام إصابتي بالمرض.

وتابعت " ح " في تلك اللحظات رافقني اليأس لأيام عدة ولم أذق طعم النوم فيها، واقتصر تفكيري حينها بأن شبح الموت بات يقترب مني شيئا فشيئا، الا أن عائلتي ساندتني ووقفت إلى جانبي، وتذكر " ح " بأنه "تبين أنني في المرحلة الثانية من المرض وتم اسئصال الكتلة فقط لا الثدي كوني في المراحل الأولى للمرض، ولاحقا مررت بثماني جلسات علاج كيماوي وشهر لجلسة الأشعة.

وتضيف، ها أنا الآن وبعد التشخيص والعلاج تخطيت الأمر وأصبحت أكثر قوة وإرادة فلم يعد لهذه المرض أي وجود في داخلي، فقد هزمت المرض وقضيت عليه وقد شفيت منه منذ أربع سنوات إلا أنني لا زلت أتلقى العلاج المتمثل بالأدوية الهرمونية فقط سأتوقف عن اخذها قريبًا.

حالة هزمها المرض وحالة هزمت المرض، لكن لا يختلف حال " أ . م "، عن حال كثير من السيدات اللواتي لم يتنبهن للمرض الا بعد وصوله إلى مراحل متأخرة، فاكتشاف المرض في مراحله الأولى هو أهم الأسباب التي تعين على الشفاء منه، وهو بعكس ما حصل مع " أ . م " اذ اكتشفته في مرحلة متقدمة، أو إنها لم تتكتشه حتي لحظة وفاتها.