قالت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح المتخصصة في الآثار الإسلامية، إن مدينة القاهرة عند تأسيسها اتخذت تخطيطا مميزا، حيث أنشئت لكي تكون مدينة ملكية محصنة، مؤكدة أن الحارات والأزقة والعطوف بالقاهرة التاريخية لم يتم تصميمها بعشوائية بل تعد جزءا أصيلا من تراثها.
وأشارت عبد الفتاح - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت- إلى أن تلك الحارات أنشئت فور إنشاء وتخطيط القاهرة على يد جوهر الصقلبي عام 358هـ/969م لسكن ( القبائل والفئات)، التي شكلت الجيش الفاطمي، ولما قدم المعز لدين الله الفاطمي أتت معه قبائل وفئات أخرى اختطت لهم حارات وكان ذلك عام 362هـ/973م.
وأوضحت أن تخطيط شوارع القاهرة التاريخية كان عبارة عن شارع رئيسي يشق المدينة من الشمال إلى الجنوب تبدأ من باب الفتوح في الشمال إلى باب زويلة في السور الجنوبي، ويتفرع من هذا الشارع الرئيسي شوارع جانبية تخترق المدينة من الشرق إلى الغرب، وتتقاطع مع الشارع الرئيسي "قصبة القاهرة" في زوايا قائمة.
وأكدت أنه بهذا الأسلوب في التخطيط كانت كل حارة من الحارات المختلفة تحتفظ بخصوصيتها ولا يدخلها إلا سكانها حتى إذا أغلق الباب الخارجي للحارة ليلاً يتعذر دخولها ويسهل الدفاع عنها إذا هوجمت.
وكشفت الباحثة الأثرية عن تاريخ أهم 12 حارة من حارات القاهرة التاريخية، منها حارة (قصر الشوق)، وهي في الأصل حارة (قائد القادة) والتي تُنسب إلى حسين بن جوهر الملقب بقائد القادة، ثم عرفت في مرحلة لاحقة باسم (حارة الملوخية) نسبة إلى ملوخية أحد فراشي القصر، وكان صاحب ركاب الخليفة الحاكم بأمر الله، ويُعرف مكانها حالياً باسم حارة قصر الشوق المتفرعة من شارع قصر الشوك بالجمالية.
وقالت إن من أشهر حارات القاهرة التاريخية (حارة برجوان) وهذه الحارة كان بها الدار التي سكنها أمير الجيوش بدر الجمالي، وتعتبر داره من أهم المنشآت، وتشغل قطاعاً كبيراً من القاهرة في الجهة الشمالية الغربية، وهي تشغل اليوم شارع برجوان وحارة برجوان وما يتفرع منها من العطف والأزقة، وهو ما يعني أن هذه الحارة ظلت بعض مناطقها محتفظة بمسماها حتى الآن.
وأضافت أن من الحارات المهمة كذلك (حارة زويلة)، و تنسب إلى قبيلة زويلة وهي قبيلة من البربر، شكلت قطاعا مهما من جيش جوهر الصقلبي الذي استولى على مصر، موضحا أنها تقع بالقرب من باب زويلة في القطاع الجنوبي الغربي، وقد انعكس العدد الكبير لهذه القبيلة على كبر مساحة هذه الحارة.
وتابعت أنه يمكن تحديد موضع الحارة حاليا بالمساحة التي يحدها من الشمال شارع الخرنفش ومن الغرب شارع زويلة ودرب الكتاب، ومن الجنوب شارع الصقالبة، ومن الشرق شارع اليهود القرائين وحارة خميس العهد، ويتخللها عدة شوارع وحارات وعطف، وقد تضمنت هذه الحارة كنيسة العذراء وهي أحد المباني القديمة التي وجدت في موضع مدينة القاهرة.
وأشارت إلى (حارة الجودرية) وهي تنسب إلى طائفة ترجع إلى جودر خادم عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في إفريقية (تونس)، وكان عدد رجال هذه الطائفة الذين حضروا إلى القاهرة مع جوهر الصقلبي 400 رجل، واختطوا حارتهم في المنطقة التي يخترقها اليوم شارع الجودرية وفروعه حارة الجودرية الكبيرة والصغيرة وعطفة الجودرية بقسم الدرب الأحمر.
ولفتت إلى (حارة الأمراء) وهي تقع بالقرب من باب الزهومة أحد أبواب القصر الشرقي الكبير في القطاع الجنوبي الغربي من أسواره وموضعها اليوم الدكاكين الموجودة في أول شارع خان الخليلي على يسار داخله من شارع القمصانجية المتفرع من شاعر المعز لدين الله.
وقالت الأثرية نادية عبد الفتاح، إن من أهم حارات القاهرة التاريخية حارة( الديلم أو حارة الأتراك) وهي تنسب إلى" الديلم" الذين جاءوا إلى مصر بصحبة "هفتكين غلام المعز بن بويه الديلمي"، الذي تغلب على الشام أيام المعز الفاطمي وقاتل جوهر الصقلبي والمستنصر بالله بالقرامطة، ثم خرج إليه العزيز بالله فأسره في الرملة وقدم به إلى القاهرة عام 368هـ/978م، وأنزله هو وأصحابه في هذه المنطقة من القاهرة.
وأضافت أن هذه الحارة كانت كبيرة جداً وقد نزل الأتراك في الموضع الذي يشغله اليوم "حارة الكحكيين"، و"درب الأتراك"، و"حارة حوش قدم"، وإلى اليوم يوجد بحارة" حوش قدم" زقاق مشهور يسمى " حبس الديلم" .
وأشارت إلى (حارة الروم) وهي تنسب إلى جند جوهر الصقلبي من الروم الذين جلبهم الفاطميون من بلاد الروم وشَكّل هؤلاء الجند نسبة إلى كبيرة في جنس جوهر الذي سيطر على مصر، ولضخامة عدد هؤلاء الجند فقد خصص لهم حارتين هما حارة (الروم السفلى) في القطاع الجنوبي الشرقي من القاهرة، ومن أهم مبانيها القديمة ( كنيسة العذراء) التي ترجع إلى القرن 6م، ونسج عمران الحارة حولها في اتساق كامل، أما الحارة الثانية التي خصصت للروم فموضعها جنوب باب النصر إلى الغرب قليلاً.
وكشفت عن سبب تسمية حارة( الباطلية) ، الموجودة بشارع الباطنية، بهذا الاسم والتي تنسب إلى طائفة من المغاربة جاءوا إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمي، وعرفوا بهذ الاسم عندما قسم المعز العطاء بين الناس وعندما جاءوا ليأخذوا العطاء فقيل لهم فرغ المال، فقالوا (رحنا في الباطل) فأطلق عليهم اسم( الباطلية) ، وعُرفت الحارة بهم بعد ذلك.
ولفتت الى (حارة كتامة) وهي منسوبة إلى قبيلة كتامة، والتي كان لها دور في قيام الدولة الفاطمية ونشأتها وكانوا يشكلون قطاعاً مهما في جيش جوهر الصقلبي عند احتلال مصر، موضحة أن موضع هذه الحارة حالياً يحدد بالمنطقة التى تتوسطها حارة الأزهري وعطفة الدويراي.
وعن (حارة البرقية)، قالت عبد الفتاح إن تلك الحارة نسبت إلى أهل برقة، الذين جاءوا مع المعز لدين الله الفاطمي وبنوا مساكنهم في المنطقة التي يخترقها اليوم شارع الدراسة، أما بالنسبة للحارة (الوزيرية)، فهي عُرفت باسم (بستان المصمودي)، ثم حارة (الأكراد) ، ونسبت إلى طائفة الوزيرية نسبة إلى الوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله.
وأضافت أن الدراسات تحدد حارة (الوزيرية) في العصر بالمنطقة التي يحدها اليوم من الشمال سكة اللبودية وشارع الوزير الصاحب، ومن الغرب شارع درب سعادة، ومن الجنوب الجزء الغربي من السكة النبوية، والجزء الشمالي من حارة الجودرية ومن الشرق شارع بيبرس.
وبالنسبة لحارة (المحمودية) ،أوضحت أنها منسوبة إلى طائفة المحمودية جاءت إلى القاهرة أيام العزيز بالله وكانت هذه الحارة تشغل المنطقة التي يتوسطها اليوم شارع الأشرفية والنصف الشرقي من سكة النبوية.
باحثة أثرية: القاهرة التاريخية أنشئت لكي تكون مدينة ملكية محصنة.. وليست عشوائية
نشر