ندوة الأوقاف: الإسلام حصن الاستقرار الأسري بمبادئ لحماية المجتمعات والدول
أكد المشاركون في ندوة "واجبنا نحو أطفالنا" أن الاسلام حصن الاستقرار الأسري بمجموعة من المبادئ من أجل حماية المجتمعات والدول والعمل على الارتقاء بها باعتبار أن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع والأوطان.
جاء ذلك في ندوة للرأي تحت عنوان "واجبنا نحو أطفالنا"، التي نظمتها وزارة الأوقاف بالتعاون والتنسيق مع الهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري، وبرعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به الوزارة الأوقاف، والتي تحدث فيها الدكتور أحمد ربيع العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية، والدكتور السيد مسعد مدير مديرية أوقاف الجيزة.
وفي كلمته أكد الدكتور أحمد ربيع أن آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية المطهرة المتعلقة بالتربية للأبناء كانت تحذيرية، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئول عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسئولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئول عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وأشار إلى أن التربية المطلوبة من الزوجين للأبناء هي التربية الإيمانية الحقة التي تقوم على التعاليم الإسلامية والخصال والأخلاق الحميدة، فمن النعم التي ينعم الله بها على الإنسان أن يقوم في صلاته وخلفه أولاده يصلون، فعدم التربية الإيمانية تجعل هذا الابن عدوًا لأبيه ويتحقق فيه قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، مبينًا أن الإسلام لم يأمرنا بطلب الولد فقط، بل أمرنا بطلب الولد الصالح، فأنبياء الله (عليهم جميعًا الصلاة والسلام) طلبوا من الله (عز وجل) أن يرزقهم الذرية الصالحة، قال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم (عليه السلام):" رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ"، وقال تعالى على لسان سيدنا زكريا (عليه السلام): "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ".
وأوضح ربيع أن القرآن الكريم سمى العلاقة الزوجية بالميثاق الغليظ تأكيدًا على ضرورة حماية هذه العلاقة وربطها برباط متين، وعندما تتحدث الآيات في القرآن الكريم عن هذه العلاقة الزوجية يذيلها ربنا (جل شأنه) بختام يستنهض الضمير وقلب المؤمن حتى يتقي الله (عز وجل)، في هذه العلاقة، فيقول تعالى: "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"، "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"، "حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، "حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ"، موجهًا الزوجين بضرورة أن تسود بينهما علاقة المودة والرحمة والحب فإذا توافر الحب استقرت الأسرة.
وأشار إلى أن التربية الحقيقية للأبناء تقتضي عدم التفرقة في كل شيء حتى في الخطأ، فالمحاسبة والمراقبة واللوم عند المساس بالعرض كما تكون على البنت ينبغي أيضًا أن تكون على الولد، فيجب على الوالدين مراقبة الأبناء ومعرفة أصدقائهم حتى لا يتمكن منهم أصدقاء السوء، موجهًا بضرورة تعليم الأبناء لغة القرآن الكريم التي تقتضي ضبط السلوك للأبناء؛ فضلًا عن الأجر الذي يعود على الآباء من كل حرف من حروف القرآن الكريم ينطق به ولده سواء في تلاوته أو في صلاته.
وفي كلمته بين الدكتور السيد مسعد منهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) في التعامل مع الأطفال، فهو (صلى الله عليه وسلم) الذي أنشا جيلًا تربى على أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم)، والاهتمام بالطفل ليس منذ ولادته فقط ولكن قبل الولادة، فيبدأ الاهتمام بالطفل منذ الاختيار الصحيح من الزوجين، والاختيار الصحيح كما يكون من الزوج يكون أيضًا من الزوجة يقول (صلى الله عليه وسلم): "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".
ووجه الأسرة بضرورة تواجد حل سريع عند الخلاف الذي يكون بين الزوجين حتى لا تصل الأسرة إلى مرحلة التفكك والتصدع، مما يعود بالسلب على تربية ونشأة الأطفال، فلقد وجهنا القرآن الكريم بالصلح بين الزوجين يقول تعالى: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"، كما علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) إصلاح ذات البين فيقول (صلى الله عليه وسلم): "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "أفضلُ الصدقةِ إصلاحُ ذاتِ البينِ"، لأن أول حق للأطفال يتمثل في استقرار الأسرة استقرارًا نفسيًا وماديًا ومعنويًا، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يحذر من التفكك فيقول: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".
كما وجه القرآن الكريم بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف فيقول تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"، وتكررت كلمة المعروف كثيرًا في العلاقة بين الزوجين حتى لا تصل الأسرة إلى مرحلة الانفصال والتفرقة، فإذا تعذرت العشرة بين الزوجين ووصلت إلى مرحلة الطلاق فنجد أيضًا القرآن الكريم يوصي الزوجين أن تكون الفرقة بالمعروف، والدليل على ذلك أن كلمة (المعروف) تكررت عند الحديث عن العلاقة الأسرية في سورة البقرة عشر مرات، وفي سورة الطلاق 3 مرات فضلًا عن التوصية بتقوى الله (عز وجل)، والتذكير باليوم الآخر، ففي السورة الكريمة يقول الله تعالى في أول آية منها: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ".
كما بين أن الإسلام حفظ حقوق الأولاد من أول يوم لهم في الحياة بل وهم في بطون أمهاتهم، حيث راعى في تشريعاته المرأة الحامل فخفف عنها في التكاليف فأباح لها الفطر في رمضان وهي حامل إذا خشيت على ولدها على أن تقضي ما فاتها بعد وضع حملها يقول تعالى: "وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ"، كما أن هذه الآية الكريمة تكفل حق الطفل في الرضاع سابقةً بذلك المواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بحقوق الطفل بأكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، بل كفل الإسلام هذه الحقوق للطفل حتى ولو كان من طريق غير شرعي، ففي قصة الغامدية التي طلبت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن تُرجم لتتطهر من فعلتها، ردها النبي أكثر من مرة، حيث ردها حماية لطفلها وهو جنين، كما ردها حماية لطفلها وهو رضيع إلى أن جاءته وفي يد طفلها كسرة من الخبز وعندها أقام (صلى الله عليه وسلم) عليها الحد.