القانون الذي تقدم به النائبان من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، أليس تورو وجان ميشال فوفيرغ، في مارس عام 2019، بعد موجة احتجاجات "أصحاب السترات الصفراء" التي شهدتها فرنسا، وعاد وقدمه وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، خلال السنة الجارية، اعتبره الكثيرون حدا من حرية التعبير، خصوصا أن صورا ومقاطع فيديو وثقها ناشطون وصحفيون لعنف الشرطة وأجهزة الأمن الفرنسية ساهمت بشكل كبير في متابعة المنتهكين للقانون قضائيا.
ولعل أبرز قضية في هذا السياق، كانت "قضية بنالا" التي تسببت بفضيحة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد قيام مساعده الأمني ومساعد مدير مكتبه، ألكسندر بنالا، بقيادة فريق من الشرطة خارج إطار القانون والاعتداء على ناشطين في عيد العمال، في مايو عام 2018.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون كان في بدايته ينص على فرض عقوبات على من تصفهم الحكومة بـ"مفتعلي الشغب"، وسمي القانون على اسمهم، قبل أن تلحق به الحكومة فقرة تتعلق "بحماية مسؤولي الشرطة والجيش والأمن" في إطار قانون "الأمن الشامل".
لماذا يحتاج الشرطي لقانون يحميه؟
يقول الكاتب العام لنقابة الشرطة، ميشيل طوغي، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، "لا أرى سببا لكل هذه الضجة المثارة حول هذا الموضوع، القانون سيبقى حبيس الرفوف كعدة قوانين أخرى ولا أظن أن محاكمنا ستطبقه بالشكل الذي أتى عليه، سيكتفون بالتذكير ببعض بنوده وهذا لن ينفع الشرطة في شيء".
ويضيف الشرطي النقابي متأسفا، "زملاءنا في العمل يتعرضون للخطر بسبب نشر هذه الفيديوهات سواء إعلاميا أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانا يتم تهديدهم والدعوة إلى العنف ضدهم، كما يتم التعرف على عناوين سكنهم ما يزيد الأمر خطورة، وهذا القانون دافعه الأساسي هو حماية من يحمون أمن البلاد"
تعبيرا عن الرفض القاطع لتمرير هذا القانون، أطلق صحافيون وناشطون في مجال الحريات وحقوق الإنسان عريضة على الإنترنت تطالب الحكومة بعدم المصادقة على هذا القانون.
وجاء فيها "إذا مُرّر هذا القانون، فإن إفلات الشرطة من العقاب سيكون أكبر. يجب أن نمنع هذا، من أجل جميع ضحايا الشرطة وكل أولئك الذين سيكونون ضحايا. لن ندعهم يقفون في طريق حرياتنا الأساسية".
كما نظمت العديد من المنظمات النقابية للصحفيين ورابطة حقوق الإنسان مظاهرة أمام البرلمان يوم الثلاثاء 17 نوفمبر احتجاجا على مشروع القانون الجديد.
تعتبر الكاتبة العامة بالنقابة الوطنية للصحفيين في فرنسا، دومينيك برادالي، في مقابلة مع موقع سكاي نيوز عربية أن ما يطرح مشكلة هو نقطتان أساسيتان "المادة 24 التي تمنع الصحفيين من تصوير عناصر الأمن في الأماكن العامة وفي الشوارع، تحت طائلة عقوبة السجن، رغم أن الدستور الفرنسي يسمح بحرية التعبير والوصول إلى المعلومة. والمادة 22 التي تعمم استخدام طائرات الاستطلاع بدون طيار(درون) في المظاهرات أو في قضايا الإرهاب أو في أي أمر آخر، ما يسمح بتحديد ملامح الصحفيين ومصادرهم، وبالتالي مس بند أساسي من بنود أخلاقيات المهنة الذي يحفظ سرية المصادر".
كما أن حماية مصادر معلومات الصحفيين مكفولة في أوروبا بموجب المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي فرنسا بموجب قانون عام 2010، الذي ينص على أن سرية مصادر الصحفيين محمية.
وتتابع أن الشرطة في الأماكن العامة يجب مراقبتها هي أيضا، كما أن صورهم ليست في ملكهم بمجرد تواجدهم في مكان عام، والصحفي ما هو إلا شاهد على ما يجري في الدول مهمته إعلام الجمهور، لهذا يجب أن يسمح له بممارسة عمله في ظروف أحسن.
وتلاحظ الكاتبة العامة أنه على مدار العامين الماضيين، تم منع 200 صحفي من العمل في فرنسا، عبر تعنيفهم من طرف قوات الأمن ومصادرة أدوات اشتغالهم.
وتعبيرا عن رفضها الكبير لقانون "الأمن الشامل"، تنظم النقابة الوطنية للصحفيين وقفة اليوم السبت في ساحة تروكاديرو في باريس مع صانعي الأفلام وكتاب السيناريو.
من جانبها ترى الناشطة الحقوقية، لييزيل ترانزلر، أن هناك انتهاكًا لحرية الإعلام وأيضًا تقييدا لحرية التعبير.
وتضيف في حديثها لموقع سكاي نيوز عربية، "يبدو الأمر كما لو أن الحكومة صادقت على قانون لقتل الحرية".
وتوضح أن النص 24 سيعدل قانون 1881 الذي يحكم حرية الصحافة. "إذ وفقًا للمادة 24، يتعرض أي شخص، بما في ذلك الصحفيون، لغرامة قدرها 45000 يورو والسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ. قد يؤدي هذا النص إلى اعتقال الصحفيين في الميدان وكذلك الصحفيين غير المحترفين الذين اعتادوا على بث المعلومات مباشرة على الشبكات الاجتماعية".
وتعتقد ترانزلر أن الحكومة الفرنسية تريد تفعيل هذا القانون لأنه لوحظ خاصة أثناء مظاهرات السترات الصفراء أن استخدام القوة كان أحيانًا غير متناسب في بعض الحالات.
وتسترسل قائلة "كلنا نتذكر صور الجرحى والمشوهين خلال أحداث السترات الصفراء. وبفضل هذه المشاهد، تم التحقيق مع ضباط الشرطة الذين استخدموا القوة في غير محلها".
وتتابع "هناك العديد من المنظمات الحقوقية التي تعارض هذا المشروع أيضا، بما في ذلك نقابات الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان. وكذلك الأمم المتحدة التي دعت رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون إلى احترام المعاهدات الدولية وتوصيات الأمم المتحدة".
واختمت حديثها على أنهم يتحركون حتى لا تنتهك حقوقهم كمواطنين ومدافعين عن الحقوق وصحفيين.
وفي هذا السياق، كانت منظمة العفو الدولية قد أشارت في تقريرها السنوي الأخير حول الحريات في فرنسا إن السلطات فرضت قيوداً غير متناسبة على الحق في حرية التجمع السلمي. كما أصيب الآلاف من المحتجين بجروح على أيدي أفراد الشرطة، أو أُلقي القبض عليهم بسبب جرائم واهية تحظى بالحماية بموجب قانون ومعايير حقوق الإنسان. وتعرض مراقبو حقوق الإنسان والصحفيون المستقلون وناشطو البيئة والناشطون المدافعون عن حقوق اللاجئين والمهاجرين للترهيب والمضايقة المتكررين من جانب الشرطة.