عمرو الخياط يكتب| «المصري اليوم» من حرية التفكير إلى حرية التفكيك
نشر
منذ أيّام قليله طالعتنا صحيفة "المصري اليوم" بمقال عنوانه" استحداث وظيفة" كتبه المجهول نيوتن والمعلوم بالضرورة للدولة المصرية.
لمن لا يعلم، فإن "نيوتن" هو عمود صحفي يعبر عن أفكار ومعتقدات مالك الجريدة صلاح دياب الذي يستكتب قسرًا عددًا من كتاب الجريدة من أجل إعلان أفكاره الغائرة في أعماقه تجاه مفهومه لفكرة الدولة المصرية، وحرصًا على تبصير الرأي العام، فإن كاتبه الرئيسي لهذا العمود هو الأستاذ ........ الذي اختار أن يظهر على قناة مكملين الإخوانية في تركيا، بينما الحرب المصرية دائرة ضد التنظيم الإخواني الإرهابي العصابي.
قبل أن نبدأ في تحليل المقال المنشور من أجل استخلاص رسائله التي كلفت المصري اليوم بمهمة دفعها نحو مساحة التداول العام سنتوقف عند أحد فقراته التي تحدثت صراحة عن سيناء التي تحولت لملعب مفتوح للجماعات المتطرفة، وأن مقترح نيوتن باستحداث وظيفة حاكم لإقليم سيناء المطلوب استقلاله سيضمن تحقيق الاستقرار، دون أن يبلغنا عن كيفية تحقيق هذا الاستقرار أو عن كيفية إيقاف الإرهاب من أجل البدء في التنمية، أم أن الإرهاب سيتوقف بمجرد البدء في إشهار إجراءات الاستقلال، أم أن هناك اتصالًا ما بين نيوتن وعصابات الإرهاب؟!.
للإجابة عن هذا السؤال نعود إلى ما نشرته المصري اليوم بتاريخ ٤يوليو ٢٠١٠ في صفحتها الأولى تحت عنوان " المصري اليوم تعيش يومًا مع المطلوبين أمنيًا من بدو سيناء"، والذي تضمن رسائل خطيره نوردها فيما يلي:
- التحقيق أقر بإمكانية التعايش مع الإرهاب والعصابات الإجرامية، الذي يبدون أنه لا زال مستمرًا.
- التحقيق روج لرباطة جأش الإرهابيين والمجرمين في مواجهة الدولة عندما وصف مشاعر المجرم سالم لافي بعبارة "تحسبه لا يخشى الشرطة أو صوت الرصاص".
- تحويل الإرهاب والإجرام لوجهة نظر يستوجب الوصول لها ومنحها الحق في التعبير عن ذاتها القاتلة.
- إظهار لافي متحدثًا رسميًا للإرهاب والإجرام، بل وهاربًا نبيلًا يتوسط للغلابة كما ورد نصًا.
- إضفاء الصفة الوطنية على الإرهاب والإجرام من خلال إبراز اضطهاد الدولة المصرية لقياداته بسبب مساعدتهم لقطاع غزة.
- وضع الإرهاب والدولة على قدم المساواة من خلال نقل مطلب سالم لافي حرفيًا " مقاضاتنا نحن والضباط أمام محكمة محايدة".
- يضفي صفة الالتزام الديني على العصابات عندما يصف معيشتهم ويشير إلى حوض مياه للاغتسال والوضوء.
- تسويق صورة ذهنية لقيادات الإجرام بوصف نقاشاتهم السياسية أنها ذات وعي سياسي جيد.
- الترويج الصريح لاحتمالية أن ينال المجرمين مرتبة الشهادة إذا ماقتلوا في مواجهاتهم مع الشرطة.
التحقيق لازال موجودًا على الشبكة الإلكترونية التي يبدو أن هناك شبكة اتصال موازية لها ما بين الإرهاب القابع في سيناء وصديقهم نيوتن.
نتصدى الآن للمقال الذي ارتكزت فكرته الرئيسية الصريحة على نقل وضعية سيناء من " مرتبة الخط الأحمر " في مفهوم الأمن القومي المصري، إلى مرتبة الخطوط الملونة التي تستبيح السيادة وتجعل منها مادة للتناول الصحفي، ليكون الهدف هنا هو عملية تفكيك للثوابت الوطنية.
ثم يشير بصيغة تهديد مشروطة تقول إنه طالما ظلت سيناء" خطًا أحمر" فإنها ستظل مهجورة وجرداء، "فعل الشرط "هنا هو نزع صفة الخط الأحمر عن سيناء "وجوابه" هو إخلاء سيناء من الإرهاب والدفع بالاستثمار والتنمية نحوها، لنكون أمام صياغة صحفية تعبر عن رغبة في إخضاع سيناء لمفهوم " الصفقة"، أشياء مطلوبة مقابل أخرى ممنوحة، أي انفصال واستقلال وحاكم معين بالتعاقد نظير حفنة من الأموال التي ستتخذ من مجالات الاستثمار غطاءً لها.
ثم يتمادى نيوتن في لعب دور " سمسار الأوطان" ليهدد صراحة أن استمرار سيناء بوضعها الحالي يعني استمرار الإرهاب وجماعاته.
يروج نيوتن لفكرة خبيثة وهي أن الدولة المصرية بإدارتها الحالية عاجزة عن فرض السيطرة والاستقرار على سيناء، وبالتالي لم يعد هناك وسيلة سوى استيراد نماذج أجنبية جاهزة، لنكون في مواجهة مزيد من الإصرار على تفكيك الثوابت المصرية من خلال تحويل سيناء من الحالة الوطنية المحلية إلى حالة تدويل تبيح استدعاء مكون أجنبي خارجي.
لقد استعرض نيوتن نماذج تم تطبيقها على دول ذكرها بالاسم، مثل هونج كونج وماليزيا وكوريا الجنوبية، بهدف الإمعان في مزيد من التفكيك للثوابت التي تتعامل مع سيناء باعتبارها جزءًا حيويًا حدوديًا من الوطن المصري، بينما يدعو نيوتن للتعامل معها كإقليم مستقل يحمل كافة مقومات الدوله المستقلة عن الوطن الأم.
حرص نيوتن على أن تكون مدة الحاكم المزعوم لسيناء هي ٦ سنوات، قاصدًا رفع القيمة السياسية له إلى المرتبة الرئاسية للجمهورية المصرية.
لقد انطلق نيوتن بمقالاته وهو مدرك إدراكًا يقينيًا لمقصد مُشغِله صلاح دياب الذي أصدر جريدته منذ اللحظة الأولى لتحويل الصحافة من أداة لحرية التفكير إلى أداة لحرية التفكيك.
التفكيك هنا يبدأ بالتمرير الصحفي لبعض الثوابت الوطنية المحسومة فيما وقر في الضمير والوجدان المصري باعتبارها موضوعات لازالت محلًا للنقاش والمساومة بل ولحسابات الربح والتربح.
بمفهوم المخالفة يتلاعب نيوتن بالصياغات الصحفية ذات المدلول الواضح فيقول: " سنستعير النظم المطبقة في دول ناجحة" ليقول إن أي نموذج مصري موصوم مسبقًا بالفشل، وليؤكد أن أي إدارة مصرية ستفشل وهو يعلم أن المطلوب هو إفشالها، لإحالة الوضعية الجغرافية والوطنية والسياسية لسيناء إلى حالة أجنبية هي الكفيلة وحدها بإدارتها بنجاح.
لقد أراد نيوتن، أن يكون منفذًا جيدًا للمطلوب منه فواصل مقالاته المفخخة التي نشرت من أجل فرض صورة لسيناء كمنطقة " صراع اقتصادي" يستوجب تدخلًا خارجيًا لحسمه.
ثم استمر نيوتن ليكشف عن مكنون مقاله عندما دعا إلى تطبيق التجربة حال نجاحها في محافظات أخرى، أي تحويل الجمهورية المصرية إلى أقاليم مستقلة لكل منها حاكم مستقل.
الآن تكشف المصري اليوم عن وجه طالما حامت حوله الشبهات لتقدم يقينًا موثقًا لفن جديد من فنون الصحافة من التفكير إلى التفكيك.